إجمالي مرات زيارة الموقع

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم

بودكاست كروان يرافقكم بتغطية خاصة لهذا الحدث الفريد، لنأخذكم إلى قلب التجربة حيث يلتقي الأدب بالموسيقى، والذاكرة بالحوار، والشرق بالشمال. بقلم يزن سعد

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم

في عالم تتسارع فيه الأحداث، وتزداد فيه النزاعات والانقسامات، يبقى للثقافة الكلمة الفصل في ترميم ما تهدّم، وفي مدّ الجسور بين البشر. من هنا يبرز معرض نورشوبينغ للكتاب بنسخته الثانية (12–14 سبتمبر 2025)، الذي ينظمه المرصد الآشوري لحقوق الإنسان بالتعاون مع مكتبة نورشوبينغ العامة، ليشكل حدثاً ثقافياً مشرقياً استثنائياً، يتجاوز كونه مجرد معرض للكتب إلى فضاء جامع للتنوع والاختلاف وقبول الآخر. في قلب مدينة نورشوبينغ السويدية، حيث تتلاقى أنهار الشمال الباردة مع دفء الذكريات المشرقية، يصبح هذا الحدث رمزاً للحوار الإنساني. أرى فيه ليس فقط احتفاءً بالأدب، بل خطوة جريئة نحو بناء جسور بين الثقافات المهمشة، خاصة في زمن يتزايد فيه التوترات العرقية والثقافية. تحت شعار "الكتاب يوحدنا: من الشرق إلى الشمال، كلمات تبني جسوراً"، يصبح المعرض صوتاً لمن لا صوت لهم، مدعوماً بجهود المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، الذي يحول هذه المساحة إلى منصة للتقبل والاختلاف.

المرصد الآشوري… الثقافة كصوت من لا صوت لهم

منذ سنوات يعمل المرصد الآشوري لحقوق الإنسان على الدفاع عن قضايا الشعوب المهمشة والمجتمعات المقهورة في الشرق الأوسط، ويأتي تنظيمه لهذا المعرض ليؤكد أن الثقافة هي أيضاً أداة مقاومة وصوتٌ يعلو باسم من لا يُسمع صوتهم. يبدأ الأمر بالمرصد، الذي يُعد نموذجاً للالتزام بالقيم الإنسانية في عالم يغلب فيه التركيز على الربح المادي. تأسس المرصد كصوت للآشوريين والأقليات المشرقية، لكنه يتجاوز ذلك ليصبح حارساً للحقوق الثقافية واللغوية في الشتات. في تنظيم معرض نورشوبينغ، يركز المرصد جهوده على خلق بيئة غنية بالتنوع، حيث يُشجع على تقبل الآخر لا كغريب، بل كشريك في السرد الإنساني المشترك. جميل دياربكرلي، مدير المرصد ومدير المعرض، يصف هذا النهج قائلاً: "نحن نسعى لأن نكون صوتاً لمن لا صوت لهم، من خلال الأدب الذي يروي قصص التهجير والصمود والأمل".

هذا التركيز ليس مصادفة؛ إنه امتداد لمهمة المرصد في مراقبة الانتهاكات ضد الأقليات في الشرق الأوسط، حيث يصبح الكتاب أداة لتوثيق التاريخ والذاكرة الجماعية. بالتعاون مع المكتبة العامة في نورشوبينغ، يحول المرصد هذا المعرض إلى تقليد سنوي يعزز الفهم المتبادل، كما حدث في النسخة الأولى عام 2024، التي شهدت حضوراً واسعاً وتفاعلاً عميقاً.

فالمعرض لا يكتفي بعرض الكتب، بل يفتح الأبواب أمام النقاشات الحرة، ويمد مساحة للتلاقي بين المهاجر واللاجئ والكاتب والناشر والقارئ، ليصبح منصة حقيقية للتعبير عن الذات والانفتاح على الآخر. من هنا، يتدفق السرد إلى قلب البرنامج الثقافي، الذي يُعد جوهرة المعرض ومفتاح خصوصيته.

خصوصية المعرض: فسيفساء مشرقيّة متعددة اللغات

ما يميز معرض نورشوبينغ للكتاب عن غيره من المعارض في السويد أو حتى في الشرق الأوسط هو ثراء مضمونه المشرقي. هنا تجتمع لغات الشرق في مكان واحد: العربية، السريانية، الكردية، الأرمنية، والفارسية، إلى جانب التركية وغيرها من لغات وثقافات الشرق الأوسط، مما يعرض مئات بل آلاف العناوين بلغات مشرقية متنوعة، بالإضافة إلى حضور الأدب المترجم إلى السويدية والإنجليزية. ما يخلق مشهداً متنوعاً وفريداً يعكس التعددية الثقافية للمجتمعات التي خرجت من الشرق الأوسط وحملت معها ذاكرتها وحكاياتها.

البرنامج الثقافي لمعرض نورشوبينغ ليس مجرد جدول أحداث، بل هو نسيج حي يجمع بين الشعر والموسيقى والحوارات الفكرية، مُصمماً ليبرز التنوع اللغوي والثقافي للشرق الأوسط. في النسخة الثانية، المقررة من 12 إلى 14 سبتمبر 2025، يشمل البرنامج أمسيات شعرية وأدبية استثنائية، ورش عمل للأطفال، حوارات فكرية، وعروضاً فنية تشكيلية، مثل تلك التي يقدمها الشاعر وفائي ليلا مع توقيع ديوانه الجديد "امرأة، رجل، وولد..."، حيث يمزج بين الصراحة العاطفية والتأمل في الهوية.

كما يتضمن محاضرات وندوات حول أساليب التعليم بين التجربة والإبداع حيث يلتقي الفن مع اللغة، والبحث الأكاديمي مع التجربة التربوية، في نقاش ثري حول تطوير التعليم وحفظ الهوية الثقافية. بمشاركة: د. موشي داوود و أ. إبراهيم شاكر.

هذه الأنشطة لا تقتصر على السريانية؛ بل تمتد إلى العربية والكردية، مع مشاركة دور نشر تصدر كتباً بلغات مشرقية متنوعة مثل العربية والكردية والتركمانية والأرمنية، مما يجعل المعرض مرآة للغات الشرق الأوسط المهددة بالانقراض. تخيل مشهداً حيث يُقرأ قصيدة كردية بجانب رواية عربية، ويُناقش في ندوة تربوية ولغوية تسلط الضوء على أهمية التعاون بين الأسرة والمدرسة في دعم التطور اللغوي لدى الأطفال – هذا هو التنوع الذي يميز البرنامج، ويحوله إلى منصة للصوت الجماعي للأقليات، ليكون المعرض أشبه بمهرجان للثقافة المشرقية في قلب الشمال الأوروبي.

دور النشر المشاركة، مثل مكتبة النور في ألمانيا ودار المصرية السودانية الإماراتية للنشر والتوزيع، ودار "Nûs House" للنشر والتوزيع, ودار الزمان, تقدم إصدارات تجمع بين التاريخ والخيال، مع التركيز على مواضيع الحقوق والحرية، مما يعكس رسالة المرصد في جعل الكتاب أداة للعدالة الثقافية. هكذا، يربط البرنامج بين الجهد التنظيمي والتجربة الحية، تشجيعاً على التقبل المتبادل.

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم

وجوه من الشرق والغرب… أجيال تتلاقى

شهد معرض نورشوبينغ للكتاب – نسخته الثانية 2025 – برنامجاً ثرياً من الفعاليات الثقافية والفنية والفكرية، عكس تنوع المشاركين وثراء المشهد الأدبي والفني.

الفن التشكيلي والنحت

تزيّن المعرض بأعمال مميزة لفنانين مرموقين مثل: إسراء الحاج (المملكة المتحدة)، خليل خزعل، موشي داوود، آدم أوديشو، د. قيس الشاوي، وشوان أوديشو، إلى جانب المنحوتات الإبداعية للفنان ألكسندر حداد، ومشروع "بيكسل" للفنانة سحر برهان.

حفلات توقيع الإصدارات الجديدة

استضاف المعرض نخبة من الأدباء والكتّاب، منهم: صبري يوسف، جورج عازار، فيروز مخول، فاطمة حرسان، مچو ويس (من هولندا)، سوزان إبراهيم، وياسر يونس (من سويسرا)، الذين وقعوا أحدث مؤلفاتهم أمام جمهور متعطش للأدب والفكر.

الأمسيات الشعرية

كان من أبرزها أمسية «أصوات من المشرق» التي جمعت لغات وثقافات متعددة في فضاء شعري وإنساني مشترك، بمشاركة شعراء من السويد والمهجر،أضفت بعداً جديداً للتجربة.

الندوات الفكرية والمحاضرات التربوية

ناقشت قضايا التعليم ودور الثقافة والمثقف في بلدان الانتشار. من أبرزها: ندوة «بين البيت والمدرسة»، وندوة «أساليب التعليم بين التجربة والإبداع»، ومحاضرة حول دور الثقافة في بلاد الانتشار، بالإضافة إلى محاضرة تفاعلية بعنوان «التفكير خارج الصندوق».

الأمسيات الموسيقية والفنية

أضفى الفنان كرم درويش بعداً فنياً خاصاً من خلال أمسية موسيقية أعادت الطرب العربي بروح معاصرة، وجمعت بين التراث والتجديد.

برامج الأطفال

خصص المعرض ركناً للأطفال تضمن ورش عمل فنية وأنشطة تعليمية، تهدف إلى تعزيز الخيال والإبداع وغرس حب القراءة منذ الصغر.

هذا التنوع الغني بين أدباء كبار من الشرق الأوسط، كتّاب من الشتات، شعراء من أوروبا والسويد، وفنانين شباب صاعدين، جعل من المعرض منصةً للتلاقي الثقافي والتبادل الإنساني. ومع حضور مؤسسات ثقافية مثل منشورات النيابة البطريركية السريانية الأرثوذكسية (من بلجيكا وفرنسا)، اكتسب المعرض بعداً دولياً إضافياً.

إن هذا المزيج بين الخبرة والتجارب الصاعدة، بين الشرق والغرب، يجسّد رسالة المعرض في أن يكون جسراً ثقافياً مفتوحاً للحوار والتعددية، وفلسفة المرصد الآشوري لحقوق الإنسان في إعطاء الصوت للمهمشين، وإشراك الأجيال المختلفة في صناعة الفعل الثقافي.

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم
معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم
معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم

لماذا يختلف معرض نورشوبينغ عن غيره؟

في معارض الكتاب العربية في السويد، غالباً ما يطغى الحضور العربي فقط، بينما في معرض نورشوبينغ للكتاب يتسع الأفق ليشمل لغات أخرى وهوية مشرقية شاملة، ما يمنح المعرض طابعاً جامعاً لا يقتصر على قومية أو طائفة بعينها. في السويد، حيث تُقام معارض عربية مثل تلك في ستوكهولم أو غوتنبرغ، غالباً ما تركز هذه الفعاليات على الجمهور العربي الناطق بالعربية فقط، مع برامج تُركز على الأدب العربي الكلاسيكي أو المعاصر دون دمج الثقافات الأخرى. هي فعاليات جميلة، لكنها غالباً ما تكون مغلقة على هويتها الواحدة، بينما يفتح معرض نورشوبينغ للكتاب أبوابه للتنوع المشرقي الكامل – سرياني، كردي، آشوري، تركي – مُحولاً السويد إلى مركز للثقافة الشرقية الشاملة.

أما مقارنةً بمعارض الكتاب الدولية في الشرق الأوسط، فالمعرض يتفرد بكونه يقام في قلب أوروبا، حيث يعيش آلاف من أبناء الشتات. هنا، تتحول الكتب إلى أداة وصل بين الوطن الأم والمهجر، وتصبح التجربة أكثر حميمية وإنسانية، لأن القارئ يقرأ بلغته الأم في فضاء غربي، فيشعر أن المعرض يعيد وصل ما انقطع. معارض مثل القاهرة الدولي أو الشارقة أو بيروت تكون أكثر تجارية، تجذب الناشرين الكبار والزوار الآلاف، لكنها غالباً ما تُسيطر عليها الدول أو الشركات، مع برامج تتأثر بالسياسة أو السوق، وقليلاً ما تُعطي مساحة للأقليات المهمشة أو اللغات غير العربية الرئيسية.

معرض نورشوبينغ للكتاب، بفضل تركيزه على حقوق الإنسان والشتات، يصبح حدثاً غير تجاري، يُقدم الكتاب كأداة للشفاء الجماعي لا للبيع فقط، ويربط بين الشمال الهادئ والشرق المتوتر كجسر حقيقي. إلى ذلك، فإن تركيز المعرض على حقوق الإنسان، حرية التعبير، وإعطاء مساحة للأصوات المهمشة يجعله يختلف عن معارض أخرى يغلب عليها الطابع التجاري أو التسويقي.

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم

أكثر من معرض… مشروع ثقافي إنساني

معرض نورشوبينغ للكتاب ليس مجرد حدث عابر، بل مشروع ثقافي إنساني يترسخ عاماً بعد عام. إنه رسالة واضحة أن الثقافة يمكن أن تكون جسراً حقيقياً بين الشعوب، وأن الكتاب — برغم كل التحديات — لا يزال يحمل في صفحاته قوة التغيير والتجديد. في الختام، يُعد معرض نورشوبينغ للكتاب ليس مجرد حدث ثقافي، بل شهادة على قوة الكلمة في بناء عالم أكثر عدلاً وتقبلاً.

من خلال جهود المرصد الآشوري، يصبح هذا المعرض نموذجاً لكيفية تحول التنوع إلى قوة، والاختلاف إلى حوار. في زمن التحديات العالمية، يذكرنا معرض نورشوبينغ للكتاب بأن الكتاب ليس مجرد ورق، بل هو صوت يوحّدنا، من الشرق إلى الشمال، ويبني جسوراً لا تنهار. إذا كنت تبحث عن تجربة ثقافية حقيقية، فهذا المعرض هو الوجهة التي تستحق الزيارة، حيث يلتقي الشرق بالشمال، ويُعاد رسم صورة جديدة للثقافة المشرقية في أوروبا، صورة تُنصت إلى الآخر، وتتسع للجميع.

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم
معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم
معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم
معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم
معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم
معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم

للمزيد من تفاصيل البرنامج الثقافي للمعرض ,,, اضغط هنا

معرض نورشوبينغ للكتاب: جسر ثقافي يربط بين الشرق والشمال، وصوت لمن لا صوت لهم


إرسال تعليق

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *